6
( 2)
ونظراً لهذه الأهميّةِ الكبرىٰ، فقد اعتنىٰ علماءُ الطائفة المُحقّة بهذا العِلم الشريف اهتماماً قلَّ نظيره، فأشبعوه بحثاً وتحقيقاً وتدقيقاً حتّى بلغَ أشدَّهُ من العمقِ والقوّة، بحيث لو تَسنّى للباحث أن يُقارنَ بين مستوى الفكر الأُصولي الشيعي، ومستوى الفكر الأُصولي السُّني لوجدَ أنَّ المساحةَ بين الفكرين في غاية البُعد.
ومن المعروف لدى مؤرِّخي هذا العلم ودارسيه، أنَّ هذا العلم قد مرَّ بعدّة نَقَلات تطوّريّة ساهمت في تقدمه السّريع، ولعلّ من أهمّها النقلة النوعيّة التي أحدثها عملاقُ الفكر الأُصولي الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره، فإنّ علم الاُصول - سيّما في أبحاث الاُصول العمليّة - قد نَضَجَ علىٰ يديه، وبلغَ ذروته في العمق والدقّة. وقد امتدّت مدرسته الاُصوليّة - بكلِّ ما تحمله من ملامح القوّة - علىٰ يد أحد عباقرتها، ألا وهو المحقّق الأُصولي الكبير الشيخ الآخوند الخراساني قدس سره صاحب الكتاب الحوزوي الشهير «كفاية الاُصول» ، والذي كانت له لمسات واضحة جدّاً في بلورة الفكر الأُصولي وتشيّيد معالمه، سيّما فيما يرتبط بمباحث الألفاظ. وقد بقيت من بعده هذه المدرسة شامخةَ الملامح والخصائص علىأيدي مَنْ عرفتهم الحوزات العلميّة ب (المحقّقين الثلاثة) وهم: المحقّق الميرزا محمّد حسين النائيني، والمحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهاني، والمحقّق الشيخ آقا ضياء الدِّين العراقي قدس سرهم.
بل لعلَّ الباحث لا يُجانب الصَّواب فيما لو ادّعى أنَّ كلّ واحدٍ من هؤلاء الأعلام قد استطاع أن يُشكِّل مدرسةً قائمةً بذاتها، فإنَّ مدرسة المحقّق الأصفهاني ذات منحى فلسفي واضح، قد سيطرَ عليها تفكير صاحبها الفلسفي سيطرةً تامّة، بينما مدرسة المحقّق العراقي مدرسةٌ فكريّةٌ محضة، فهوَ وإن لم يُخضِع علمَ الاُصول لأيِّ علمٍ آخر، إلّاأنّه قد أعملَ فيه منتهىٰ جهده الفكري الخلّاق بعيداً عن المتفاهمات العرفيّة، ممّا جعل مدرسته الاُصوليّة لا تقلّ تعقيداً عن سابقتها، وبين هاتين المدرستين جاءت مدرسة المحقّق النائيني قدس سره مزيجاً